يبدو أن غلاف كتاب "برهان العسل" الشهير للسورية سلوى النعيمي لم يرق لشركة آبل التي حذفت النسخة الصادرة باللغة الإنكليزية في الولايات المتحدة من موقع مبيعات مكتبة "آي تونز ستور" للكتب الرقمية بتهمة أنه إباحي..
أعلنت دار النشر الأمريكية "أوروبا إيديسيون" على موقعها في شبكة التواصل الاجتماعي فيس بوك أن "آبل قررت حذف نسخة "برهان العسل" للكاتبة سلوى النعيمي، والتي صدرت ترجمتها الإنكليزية عام 2009، من مكتبة "آي تونز ستور" لبيع الكتب الرقمية بسبب "الغلاف غير المناسب" . وأضاف الناشر "أغلقوا عيونكم وآذانكم فالغلاف يظهر مؤخرة" امرأة وظهرها العاريين.
ومن الغريب في الأمر أن النسخة الفرنسية الصادرة عن دار "روبير لافون" للنشر في 2007 لا تزال متاحة للبيع. وكانت عدة مواقع إخبارية وصحف خاصة الناطقة بالإنكليزية أول من استنكر هذا الأمر على غرار "ذي هوفينتونغ بوست" و"ذي غارديان" التي ذكرت أنه سبق لآبل أن مارست هذا النوع من الرقابة فهي غطت بالنجوم جزء من عنوان رواية "فاجينا" أي "فرج" لناومي وولف ثم تراجعت ورفعت عنه النقاب تحت ضغط رواد الإنترنت. وأكدت "روبير لافون" أنها تعد بيانا في الغرض "نستغرب فيه كيف تمنع آبل أمريكا غلافا تتيحه آبل فرنسا... ونستغرب الرقابة الآلية العبثية التي تمارسها آبل على بعض العناوين والتي تطال حتى كتب الأطفال، فتحذف مثلا "نيك" من عنوان "بيك نيك"" وتعني "بيك نيك" بالفرنسية "رحلة في الطبيعة".
وعرفت شركة "آبل" بعفتها لمنعها بعض التطبيقات التي اعتبرتها خادشة للحياء من هواتفها الذكية. وتواترت ردود فعل القراء على موقع "أوروبا إيديسيون" حول القضية فأكد أحدهم أن "الأمر ليس مفاجأ فقد اعتادت الشركة هذا السلوك منذ إطلاقها أول "آي فون" وهو أحد الأسباب التي جعلت الأشخاص المهتمين بالتكنولوجيا الرقمية يكرهونها تدريجيا". وندد آخرون بما أسموه "عار آبل" و"سخافتها" فأضاف أحدهم "قرأت الكتاب قبل بضعة أشهر ولم أجد فيه أي شيء صادما... ماذا يجري اليوم؟ هل نحن نعيش حقا في القرن الـ 21 ؟" وأضافت ثالثة "دعوني أتثبت من الروزنامة، فهل هي "كذبة نيسان"؟"..
ولعل الجديد في الأمر أن "برهان العسل" هو أول كتاب عربي يخضع لرقابة "غربية". فتعود رواية سلوى النعيمي مرة أخرى إلى الواجهة لتفجر الجدل بعد أن هزت العالم العربي بعد صدورها في 2007 عن دار رياض الريس بلبنان ثم ذاع صيتها عبر العالم وترجمت إلى 19 لغة. واتصلنا بالكاتبة سلوى النعيمي فقالت إن "الأمر بالغ الخطورة" ثم أضافت مازحة "يبدو أن خطورة كتابي صارت عالمية".
وأكدت لنا سلوى النعيمي أنها المرة الأولى التي تتعرض فيها للرقابة الغربية بعد أن منع كتابها في بعض البلدان العربية إثر صدوره ونفترض أن الأسباب كانت مخالفة لدوافع آبل وإن كانت لا تبعد عنها شكلا، فسلوى النعيمي أبرزت عبر كتابها مكانة الجسد والجنس في الثقافة العربية والإسلامية في حياة امرأة معاصرة عبر القرآن والأحاديث النبوية وكتب السيوطي والتيفاشي وغيرها من المخزون الجماعي الذي كان أكثر حرية في تناول موضوع الجنس من مجتمعاتنا اليوم المكبلة بالتابوهات. وكان لـ"برهان العسل" الفضل في إفادة العرب والمسلمين بما يجهلونه أو نسوه عن حضارتهم ومن جهة أخرى في إسقاط الأفكار المسبقة التي يملكها الغرب عنها والتي عادة ما يعتبر انغلاق المجتمعات ومحرماتها عائدة إلى الإسلام وطبيعة الثقافة العربية...
وأخبرتنا سلوى النعيمي بأنها لم تكن يوما تتوقع أنها ستتعرض يوما للرقابة في بلد غربي "ولا في بلد عربي" وأن "ردود فعل القراء والنقاد على جميع مستوياتها، سلبية كانت أو إيجابية، تتعلق بأهمية ما جاء في برهان العسل وأظن أنه لم يرد في أي عمل وهو الربط بين الحرية الجنسية والثقافة العربية الإسلامية. أنا حرة لأنني بنت هذه الثقافة".
ورأت سلوى النعيمي في الأمر "فضيحة" وقالت "تعودنا نحن الكتّاب العرب على عشوائية الرقابة فليس هناك أي قانون يضبطها، عندما منع كتابي في سوريا، كان هناك 40 كتابا ممنوعا في نفس الوقت ولأسباب متعددة ومختلفة". وسألناها إذا كانت ترجح أن لخطوة آبل علاقة بأصولها السورية أجابت أنها لا تعرف أبدا حقيقة دوافع الشركة وأن "الرقابة أيا كان البلد الذي يمارسها وإن كانت الولايات المتحدة تبقى غبية، فهي مجرد خوف من ردود فعل وشكاوى بعض القراء...". وأضافت سلوى النعيمي أن الرقابة غبية لأنها في كل مرة تمارس فيها ترتفع المبيعات لأنها تحفز الناس على الفضول.
وقررت دار "أوروبا إيديسيون" كرد على عبثية الموقف إتاحة شركات أخرى غير آبل بيع الرواية بأسعار أرخص حتى يتمكن القراء بأنفسهم من التثبت إذا كان الغلاف يناسبهم أم لا"، ثم أعلنت دار النشر في وقت لاحق أن كل المكتبات الرقمية رفضت تسويق الكتاب معتبرة أن محتواه وأسلوبه إباحيان وأنهما فضيحة. وقالت دار "أوروبا" أن "العار اليوم لم يعد يقتصر على آبل وحدها". ونددت دار النشر "ببعض الباعة الذين يقبلون تسويق كتب أخرى أقل قيمة" من كتاب سلوى النعيمي "لأنها تستغل المادة الإباحية للاستفزاز في حين ترفض "برهان العسل" الريادي".
وحول موقفها من الديمقراطية الغربية وهي متحدرة من بلاد تطالب بها اليوم بقوة اكتفت سلوى النعيمي بالإجابة "إن منطق ومقاييس المبيعات لا يطبق على المجتمعات". فماذا يكون مصير كتابها الجديد "شبه الجزيرة العربية" الذي صدر قبل بضعة أشهر عن رياض الريس والذي يصدر عن "روبير لافون" في نسخته الفرنسية في 17 يناير/كانون الثاني المقبل، مع "أي تيونز ستور" وهو يمزج بين المجال السياسي والمجال الحميمي... ؟
وربما جاءت الإجابة في حديث استباقي بين شخصيات "برهان العسل" فتقول زميلة البطلة الروائية والراوية إن الرقابة قد تمنع نشر الكتاب. فتجيب أنها ستصبح مشهورة إذا كانت الرقابة على هذا المستوى من الغباء.
فرب رواية تجاوز خيالها واقعنا...