قال محمد عمور، مدير قناة الجزيرة الرياضية الإخبارية ، والصحافي الرياضي المغـربي المعروف، إن تجربته بالقناة الأولى المغربية سابقا أعطته قدرا يعتز به من الخبرة والنجاح، وإن مغادرته من المغرب، إلى قناة دبي الرياضية كان لأسباب مادية صرفة.
ويرى خريج المعهد العالي للصحافة بالرباط في حواره مع "هسبريس"، أن الإعلام المغربي لا يعاني البتة من قلة الكفاءات من معلقين ومقدمين وفنيين، والدليل على ذلك، حسب مدير قناة الجزيرة الرياضية الإخبارية، هو تألق المغاربة في جميع التخصصات حين يغادرون المغرب، وأن من أسباب تخلف الإعلام المغربي هو ظروف الاشتغال غير المثالية، وأنه هناك حوار صم بين المهنيين والمسؤولين ليس فقط حول القضايا ذات الطابع النقابي بل حتى ما يتعلق بصميم المهنة، يقول عمور.
قضيت عدة سنوات بالقناة الأولى، وغادرتها منذ 14 سنة تقريبا، كيف جاء قرار الهجرة خصوصا أنك كنت من بين أبرز الإعلاميين فيها؟
بالفعل اشتغلت بالقناة الأولى منذ مايو 1990 إلى سبتمبر 1999، وأدركت فيها قدرا أعتز به من الخبرة والنجاح، لكنني اضطررت اضطرارا لمغادرة بلدي بالدرجة الأولى لأسباب مادية صرفة، لأن الأوضاع آنذاك كانت تعيسة جدا ولم يشفع لي الظهور الدائم على الشاشة ولا التغطيات الهامة ولا الشهرة في تأمين العيش الكريم (على الأقل حسب معاييري الشخصية) لي ولأسرتي، الحوافز المهنية كانت موجودة كذلك على اعتبار أنني اعتقدت -واهما- أنني سأنال نفس النصيب أو أكثر في قناة أو قنوات لها إمكانيات أكبر، والواقع أن ذلك لم يتحقق أو لم تظهر بوادره إلا مع التحاقي بالجزيرة الرياضية في أكتوبر 2004، حيث بدأت أستعيد نفس المشاعر المهنية القوية التي افتقدتها منذ مغادرتي زنقة البريهي، لذلك لن ألعب دور البطل أو الضحية المضطهدة وأقول لك إن التهميش طالني وأجبرني على تغيير الأجواء، أو أي شيء من هذا القبيل، فمن الناحية المهنية كنت سعيدا إلى حد كبير بعملي ومردودي وما كان يوكل إلي من مهام وتفاعل الجمهور معي وهذا ما كنت ألمسه في الملاعب أو حتى في الشارع، ويظل مصدر فخر كبير بالنسبة لي ما حييت، كما كانت علاقاتي طيبة ولا تزال بزملائي ورؤسائي في العمل يطبعها الاحترام والمودة.
بما أنك كنت في القناة الأولى وأنت الآن في مجموعة قنوات الجزيرة الرياضية كيف ترى واقع الإعلام في المغرب؟ وما هي أبرز السلبيات التي تراها في الإعلام المغربي والعربي؟
الإعلام يحتاج أمرين أساسيين هما : الحرية والإمكانيات، والجسم الصحفي في المغرب كما في العالم العربي يناضل من أجل نيل اكبر قدر من الحرية ودفع الخطوط الحمراء إلى أبعد مدى، وتوفير أفضل ظروف الاشتغال الصحية داخل المؤسسات الإعلامية، كما سبق وعبرت مرارا أنني لا أحبذ توزيع الدروس، لكن الملاحظ أن هناك تحديات كبرى تواجه الإعلام العربي في مواجهة سلطات الحكم والمال، كما يبقى الوصول إلى المعلومة مستعصيا رغم التنصيص عليه في الدستور المغربي الجديد على سبيل المثال، ما يفتح الباب أمام الإشاعة والتأويلات والتكهنات التي تتسبب في تغليط الرأي العام، كما يشكل التضييق على الحريات الصحافية قاسما مشتركا رغم اختلاف درجاته من بلد لآخر.
تراجعت القنوات المغربية بشكل كبير جدا، فلم تعد تحظى بالمشاهدة كما السابق حسب أخر الإحصاءات، في رأيك ما هي أسباب تراجع القنوات وما هو الحل في رأيك؟
لا ننسى أن المنافسة قوية وأن المشاهد لديه مئات الخيارات لمشاهدة منتجات تلفزيونية من مستوى عال، القرصنة التي تطورت بشكل مذهل في السنوات الأخيرة تفتح أبواب أرقى الباقات التلفزيونية بالمجان للملايين، لذلك قد لا تتردد في الاختيار بين آخر إنتاجات هوليوود وبين فيلم قديم، بين مباراة في البطولة المغربية في ملعب رديئ وأخرى في الدوري الإسباني أو الانكليزي، لكن المشاهد المغربي سيقبل على قنواته المحلية أكثر حين يرى فيها نفسه ومشاكله وآماله وانكساراته، يعني في اليوم الذي سيشعر المشاهد المغربي أنه يمتلك هذه القنوات التي يمولها من ضرائبه فإنه سيقبل عليها بكل تأكيد، لذلك فلا بد من تفعيل أكبر لسياسة القرب تلفزيونيا، لأن المنافسة مع ما هو متوفر في الفضاء صعبة للغاية.
ألا ترى بأن قلة الكفاءات من معلقين ومقدمين وفنيين يعود إلى تخلف مؤسسة الإذاعة والتلفزة المغربية عن ركب الإعلام العربي ؟
غير صحيح أن الكفاءات قليلة في جميع المجالات التي ذكرت، وإلا لماذا يتألق المهنيون المغاربة من جميع التخصصات حين يغادرون المغرب ؟ وحسب ما يردني إما بشكل مباشر أو عن طريق الإعلام والمواقع الإخبارية فهناك احتقان شديد في المؤسسات السمعية والمرئية خصوصا العمومية، وظروف الاشتغال ليست مثالية وهناك حوار صم بين المهنيين والمسؤولين ليس فقط حول القضايا ذات الطابع النقابي بل حتى ما يتعلق بصميم المهنة.
طيب بما أنك قلت أن المهنيون حينما يخرجون من المغرب يتألقون، إذا ما هي القيمة المضافة التي يمنحها حضور المهنيون المغاربة في قطر خاصة ودول الخليج عامة؟
ليس المهنيون المغاربة وحدهم، بل تستفيد القنوات العربية خصوصا الكبرى من أفضل الكفاءات العربية وحتى غير العربية (في الجوانب التقنية والفنية) بفضل ما لها من إمكانيات، أما عن المهنيين المغاربة فلهم بصمتهم الخاصة في القارات الخمس وليس فقط في الخليج، فمنتدى الصحفيين المغاربة في الخارج يضم في عضويته حوالي مائتين من الإعلاميات والإعلاميين، ويشكل قناة جميلة للحوار في مختلف القضايا خصوصا المغربية، ومن خلال تجربتي الشخصية في ثلاث قنوات عربية، فالمغاربة يتمتعون بسمعة جيدة على المستويين المهني والأخلاقي، علما أنهم لا يشتغلون فقط في التلفزيون بل في الصحافة المكتوبة والالكترونية ووكالات الأنباء وإعلام المؤسسات.
ماذا عن دور الإعلام الرياضي وتأثيراته حاليا على المجتمع بشكل عام؟
الإعلام الرياضي له أدوار إخبارية وترفيهية، لكن من أهم مسؤولياته نشر الوعي بين الجماهير، أولا بمنح الرياضة وقوانينها ونجومها وأحداثها الإشعاع التي تستحق، وكذا إشاعة قيم التسامح والروح الرياضية، والابتعاد عن الشحن وتصوير المباريات كأنها مسألة حياة أو موت، لأنها قد تصبح كذلك.
عنف الملاعب لا يعترف الجميع في المغرب أنه ظاهرة، ونختبئ وراء تروس الحالات المنفردة، وعبارات من قبيل "بعض المحسوبين على جماهير النادي الفلاني" و"الممارسات الغريبة على المجتمع المغربي" وغيرها من الجمل المحنطة، لذلك فإذا كانت معالجة هذه الآفة لها مقاربة أو مقاربات أمنية وقانونية وتقنية ضرورية، فإن وسائل الإعلام المختلفة يجب عليها أن تتحمل مسؤولياتها كاملة في المساعدة ليس فقط على التوعية بمخاطر التعصب والعنف، لكن بالابتعاد عن أي من أساليب الشحن والتهييج، وكذا التحلي بالحياد الإيجابي، حيث ألاحظ في كثير من الأحيان احتجاج الجماهير سواء داخل الملاعب من خلال اللافتات، أو في المواقع الالكترونية على ما يعتبرونه انحيازا لفريق بعينه أو تحاملا على آخر، والملاحظة تجوز على وسائل الإعلام بمختلف أنواعها.
بما انك معلق أيضا ما رأيك في المعلقين المغاربة مقارنة مع نظرائهم من العرب؟ وبماذا تنصح المعلقين المغاربة خصوصا الشباب منهم؟
هناك بطبيعة الحال مستويات متباينة لكننا أبعد ما نكون عن بلد يتميز بإنتاج المعلقين، ونصيحتي لأي معلق أن يكون نفسه بشكل عميق لأن أبسط الشروط أن يكون ذا خلفية رياضية قوية وثقافة عامة مرضية، لا بد للمعلق أن ينقل إحساسه الصادق بالمباراة التي يعلق عليها للمشاهد، ومن أجل ذلك عليه أن يكون على إلمام بالرياضة التي يعلق عليها لكي يتمكن من التفاعل بشكل طبيعي لا مصطنع، ويؤثر بشكل إيجابي على المتلقي، الصراخ لا يعني الإقناع فمن الصعب على أي معلق في أن ينتزع تفاعلي وهو يصرخ بينما اللاعبون لا يركضون حتى، فالإيقاع يجب أن يكون ملائما لإيقاع المباراة، كما أحبذ شخصيا الابتعاد عن العبارات الجاهزة التي يكتبها بعضهم لاستخدامها في الوقت المناسب، وهي في الغالب لا تخلو من سجع وبحث عن القافية بأي ثمن حتى لو أنتج ذلك معنى مبتذلا، فقديما قيل "لا تتوخ البلاغة بغريب اللفظ"، كما ارتبط شيوع أساليب السجع في تاريخ الأدب العربي بعصور الانحطاط، يجب كذلك الابتعاد عن التقليد لأن النسخة لن تتفوق أبدا على الأصل، كما لا داعي للتأكيد على النزاهة والحياد لأن المعلق من الناحية المبدئية شغوف بالرياضة، وبالتالي فلابد أن يكون مشجعا لفريق ما، لكن انتماءه لا يجب أن يؤثر على مضمون تعليقه.
هل تفكر بالعودة إلى المغرب؟ و ما هي الشروط التي تجعلك تعود إلى الوطن وتوظف خبراتك للنهوض بقطاع الإعلام السمعي البصري الذي هو في الحضيض الآن؟
في الحضيض ؟!!... الكلمة قوية بعض الشيء، لكنني متأكد أن المهنيين المغاربة قادرون على الأفضل إذا توفرت الظروف المهنية المناسبة، أما عن عودتي فهي مشروع مؤجل لحد الآن، والواقع أنني أستمتع بمهمتي الحالية على رأس الجزيرة الرياضية الإخبارية التي انطلقت قبل أكثر من عام، وتبدو في الطريق الصحيح حتى الآن، كما أن لها هامش تطور مهم، لقد أخذ منا إطلاقها ثلاث سنوات من التحضير بالموازاة مع تدبير العمل اليومي، ورغم ضغط العمل القوي وضرورة السهر على الكثير من التفاصيل، والواجبات المكتبية التي ليست بالضرورة ما يحلم به الصحفي، لكنني لله الحمد مرتاح لحد الآن لكن من يدري ما قد يحدث.
هل مازال لدى محمد عمور علاقة بالإعلاميين المغاربة؟
طبعا بعد المسافة والانشغالات لا تجعل الاتصال بشكل يومي، لكنني لا أفوت أي فرصة للقاء الزملاء المغاربة سواء إذا مر أحدهم بالدوحة أو أثناء تواجدي بالمغرب حين تسنح الفرصة، حيث غالبا ما لا أقضي وقتا طويلا، لكن هناك الهاتف ومواقع التواصل الاجتماعي التي تتيح التواصل بيننا.